أعادت الشيف سلام من خلال مطعميْ بيت مريم وسفرة مريم، تعريف معنى التراث من خلال المطبخ، إذ إنّها جعلت من شغفها في عالم الطهو الذي ورثته من والدتها الراحلة مريم، وسيلة لتأخذ من يتلذّذ أطباقها إلى جذور وطنه الذي يحنّ إليه. ففي كلّ طبق تعدّه، هي تعكس روح العائلة والأجواء الآمنة للمنزل والسلام، متينة لزوّار مطاعمها خوض تجربة استثنائيّة تتخطّي مجرّد تناول الطعام. في هذا اللقاء الحصريّة مع Elle Gourmet، تتحدّث الشيف سلام عن مسيرتها في مجال الطهو، والإرث الذي اكتسبته، ورؤيتها للربط بين الماضي والحاضر من خلال الطعام.
لقد أسستِ مطعمين ناجحين، بيت مريم وسفرية مريم. كيف طوّرت شغفك في المجالس منذ تأسيسكِ لبيت مريم، وما الذي دفعكِ إلى افتتاح سفرية مريم؟
كان “بيت مريم” طريقتي في تقدير وصفات والدتي والحفاظ عليها مع تكريم جيلها. فقد بدأ الأمر كتقدير لفن طهيها والقيم التي غرستها فيّ، مثل الاعتناء بالآخرين من خلال تقديم الطعام، وإضفاء الدفء على الأجواء، وجمع الناس على المائدة. مع مرور الوقت، لم أكتفِ بالطهو فحسب، بل طوّرت شغفي فيه أيضاً ليصبح بمثابة وسيلة لسرد قصص، فبدأت أنسج الذكريات في كلّ طبق أعدّه. ومع مرور الوقت، تعلمتُ أن تقديم الطعام يتجاوز مجرّد معرفة التقنيّات الخاصّة به، ويتعلق بخلق تجارب تجعل الناس يشعرون وكأنهم في وطنهم، بغض النظر عن المكان الذي يتواجدون به. أمّا فكرة «سفرة مريم»، فقد انبثقت من رغبتي في الاحتفاء بالجيل القادم، إذ إنّها تعكس الإرث المتطوّر الذي عاشته ابنتي ندى دراج وابنتها مريم. فبينما يُكرّم “بيت مريم” جذوري، يحتفي “سفرية مريم” بمسيرتنا التي تجعله مكانًا يربط الماضي بالمستقبل، ويحافظ على القيم التي طوّرت على أساسها مسيرتي مع إضافة لمسات عصرية. لذا، يتشارك كلا المطعمين نفس أسس الحب والأصالة، وكليْهما يشكّلان جزءاً من القصة نفسها، إنّما كلٌّ منهما يضيف فصلًا جديداً ويروي قصصه الفريدة.
كان لدى والدتكِ، مريم، تأثيرٌ كبيرٌ على مسيرتكِ المهنية. فما الذي علّمتكِ إياه عن الطبخ والضيافة وما تبرعين به اليوم؟
لقد علّمتني والدتي أن أُكرّس كلّ ما في نفسي في كلّ طبق، لأنّ هذا ما يعنيه الحب في عائلتنا. كانت تؤمن بأنّ جوهر الضيافة يكمن في جعل الناس يشعرون بالاهتمام والتقدير، وكأنّهم في منازلهم. ولم تقتصر دروسها على الطعام فحسب، بل امتدت إلى خلق مساحةٍ يشعر فيها الناس بالرعاية والفهم. لقد أرتني أنّ أصغر التفاصيل لها أثرٌ كبير، سواء في طريقة الترحيب أو تقديم الطعام. وها أنا اليوم، أحمل هذا الأثر معي كلما رحّبتُ بشخصٍ في منزلي أو في مطاعمي.
لقد فزتِ بالعديد من الجوائز، مثل حصولكِ على لقب أفضل طاهية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ما تأثير هذا التقدير عليك؟
الجوائز هي ذات معنى عميق وتشعركِ بالتواضع، لكن أكثر ما يُرضيني هو عندما أرى من يتناول القضمة الأولى من أحد أطباقي، ويغمض عينيه، حيث يشعر وكأنّه في بيته. تلك اللحظة من التواصل لا تُقدر بثمن، وتُذكرني بأسباب قيامي بما أفعله. التقدير يُملؤني بالفخر، لكن المكافأة الحقيقيّة هي الامتنان الذي أشعر به عندما يستمتع الناس حقًا بالوجبات التي أُعدّها، ومعرفة أنني قد جعلتُ أحدهم يشعر بالراحة، ولو للحظة وجيزة، هو شرف عظيم.
تمزج «سفرة مريم» النكهات الشاميّة التقليديّة مع الأفكار العصرية. كيف تجمعين بين الاثنين في أطباقك مع الحفاظ على جذوركِ؟
أحافظ على نكهات الشام باستخدام مكوّنات أصلية وتقنيّات عريقة، في حين تأتي اللمسة العصريّة من خلال العرض الإبداعيّ والمزج المدروس. أؤمن بأنّ التقاليد والابتكار يتكاملان من دون أي تنازلات، والهدف هو التحسين، لا الهيمنة. على سبيل المثال، قد أُضفي لمسة راقية على طبقٍ مألوف، لكنّني أحرص دائمًا على أن يبقى مرتبطًا بأصله، إذ يجب أن يكون كلّ طبقٍ مريحًا ومألوفًا، وأن يُثير في الوقت نفسه الفضول والمتعة.
بصفتك شخصًا ذا سمعة مرموقة في عالم الطهو، ما هي برأيك العوامل الرئيسيّة التي تُسهم في الحصول على جائزة ميشلان؟ وما هي نصيحتك للطهاة الذين يسعون إلى تحقيق هذا المستوى من التميز؟
على حدّ علمي، الحصول على جائزة ميشلان يعني خلق تجربة طعام تترك انطباعًا لا يُنسى. يجب أن يكون الطعام استثنائيًا، ولكن الاتّساق والخدمة والأجواء لا تقلّ أهمية عن طعم الأطباق، إذ يجب أن يكون لكلّ تفصيل فيه تأثيرًا في تجربة الضيف. وبالنسبة لنصيحتي للطهاة الذين يسعون إلى تحقيق هذا المستوى من التميّز، فهي أن الحفاظ على الهوية وصقل المهارات بعناية، وتجاوز الحدود مع الحفاظ على جوهر المطبخ. فالتميز يُبنى على المرونة والإبداع والالتزام الراسخ برؤيتك، وإنّ الطهاة الذين يعملون بشغف ويُبدعون لحظات تواصل مع ضيوفهم سيبرزون بشكل طبيعيّ.