بجذورٍ لبنانيةٍ ورؤيةٍ مستقبليةٍ ثاقبة، تُقدّم الشيفتان ميراي وياسمينا حايك روح المطبخ اللبناني إلى الإمارات العربية المتحدة وخارجها.
نادراً ما تُجسّد المطاعم جوهر ثقافةٍ مثل “أم شريف كافيه”، الاسم المُرادف للنكهات اللبنانية الأصيلة، والضيافة المُتقنة، والتقاليد الخالدة. تتولّى الشيف ميراي حايك، صاحبة الرؤية الثاقبة التي حوّلت شغفها بالطعام إلى تجربة طعامٍ عالميةٍ شهيرة، قيادة هذه المؤسّسة العريقة. والآن، ومع دخول ابنتها ياسمينا حايك إلى دائرة الضوء بصفتها شيفٍ تنفيذي، تُطلّ “أم شريف“ على عصرٍ جديدٍ يجمع بين التراث اللبناني الكلاسيكي والابتكار المُعاصر.
مع فروعٍ مُزدهرةٍ في دبي وأبو ظبي، يُعيد الثنائي حايك تعريف مفهوم الطعام الشرق أوسطي في الخليج. نهجهما قائم على سرد القصص بقدر ما هو قائم على المطبخ ـ فكلّ طبق هو رسالة حبّ للبنان، مُعدّة بدقّة وعناية فائقة. لكن طموحاتهما لا تتوقّف عند هذا الحدّ. فمع افتتاح فرعين جديدين في هارودز في لندن ومونتي كارلو، تُمهّدان الطريق للمطبخ اللبناني ليحتلّ مكانته اللائقة في المشهد العالمي للمطاعم الفاخرة. في هذه المقابلة الحصرية، نجلس مع الأم وابنتها، صاحبتي النفوذ، للحديث عن خططهما في منطقة الخليج، وتقاليد عائلتهما، وفنّ الارتقاء بالطعام اللبناني إلى آفاقٍ جديدة.
أصبح “أم شريف كافيه” مؤسّسة طهي رائدة. ما سرّ الحفاظ على أصالة المطبخ اللبناني وجاذبيته للجمهور المعاصر؟
الشيف ميراي: لطالما تمحور جوهر “أم شريف“ حول الحفاظ على التقاليد مع جعله عصرياً وملائماً لجمهور اليوم. الأصالة هي الأساس، والتطوّر كذلك. نحترم تراثنا من خلال التزامنا بالتقنيات والنكهات العريقة، ونبتكر باستمرار ـ سواءً من خلال طريقة التقديم، أو اختيار المكوّنات ومصادرها، أو كيفية إلتزامنا وتفاعلنا مع جيلٍ من روّاد المطعم أكثر اهتماماً ومعرفةً. في نهاية المطاف، المطبخ اللبناني مبني على الدفء، والكرم، والتجارب المشتركة، وهذا ما يجعله مميّزاً بغضّ النظر عن العصر والسوق الذي نعمل فيه.
من بيروت إلى دبي وأبو ظبي وغيرهما، كيف تؤثّر الإمارات العربية المتحدة على تطوّر قائمة طعام “أم شريف كافيه” وتجربته؟
الشيف ميراي: تُعتبر الإمارات العربية المتحدة بوتقةً للثقافات وتجارب المطاعم المتنوّعة، وهذه الديناميكية العالمية تتجلّى بوضوح في نهجنا في “أم شريف كافيه”. ومع تَمسُّكنا بالتقاليد اللبنانية، فإنّ تنوّع مدن مثل دبي وطبيعتها العالمية يُلهمنا لخوض تجارب جديدة. لقد دمجنا التأثيرات الإقليمية وتكيّفنا مع مشهد الطعام القائم على التجارب، مع الحفاظ على روح مطبخنا وأسلوبنا.
لقد بنيتِ إمبراطوريةً راسخةً تجدُ جذورها في كرم الضيافة اللبنانية. ما هي اللفتة الصغيرة، وإن كانت مؤثّرة، التي تجعل تجربة الطعام مميّزةً بحق؟
الشيف ميراي: غالباً ما تكون أصغر اللفتات هي الأكثر تأثيراً. فلسفتنا في “أم شريف” تتمحور حول جعل الناس يشعرون وكأنّهم في وطنهم ـ قوّة الحنين إلى الماضي، والمائدة اللبنانية “على طريقتنا”. كرم الضيافة الحقيقي لدينا يكمن في التفاصيل، في جعل كلّ زائر يشعر وكأنّه في منزله، ولكنّه أيضاً ضيفٌ عزيز.

إذا طُلب منك ابتكار “طبق يومي” مستوحى من الإمارات العربية المتحدة، ما هي النكهات أو المكوّنات التي ستستخدمينها؟
الشيف ميراي: أتمنى لو أبتكر طبقاً كهذا! تخيّلوا لحم ضأن مطهو ببطء، منقوع بالبزار (مزيج توابل إماراتي) والزعفران، يُقدّم على فريكة، مع لمسة من دبس التمر، ربما لإضفاء لمسة من الحلاوة. وسيكون هذا الطبق بمثابة تكريمٍ لنكهات المنطقة الغنية، مع الحفاظ على طابعه اللبناني الأصيل (وبالتالي طابع “أم شريف”).
ياسمينا، نشأتِ محاطةً بالطعام وكرم الضيافة. ما هي الذكرى من طفولتكِ عن طبخ والدتك والتي لا تزال تُلهمكِ حتى اليوم؟
ياسمينا حايك: من الذكريات التي لا تُفارقني هي مشاهدة والدتي تُحضّر الكبة من الصفر. كانت تفرم اللحم يدوياً، وتُشكّل كلّ قطعة بدقّة، وتحرص على التأكّد من أنّ التوابل متوازنة بشكلٍ مثالي. كان هذا العمل فعل حبّ، وأذكر انبهاري بشغفها، ودقّتها وتفانيها. ذلك الاهتمام بالتفاصيل واحترام التقاليد لا يزال يُلهم أسلوبي في الطهي اليوم.
كنتِ ترغبين في الأصل أن تصبحي طبيبة ـ هل ترين أي تشابه بين العمل في المختبر والعمل في المطبخ؟
ياسمينا حايك: بالتأكيد! كلاهما يتطلّب انضباطاً ودقّة وفهماً عميقاً لكيفية تفاعل العناصر. في الطبّ، تعملين على التفاعلات الكيميائية، وفي المطبخ، تُبدعين كيمياءً بالنكهات! الطبخ أيضاً يتعلّق بتغذية الناس، ولكن بطريقة مختلفة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ أجواء المطبخ المزدحم والنابض بالحياة تجذبني أكثر من المختبر الطبي!
بوجود فروع لكما في لندن ومونتي كارلو، كيف تضمنين أن تتألّق روح “أم شريف” اللبنانية في كلّ مدينة؟
ياسمينا حايك: كلّ شيء يتمحور حول التمسّك بجوهر المطبخ اللبناني وبرؤيتنا، مع إبراز واحترام المكوّنات المحلية والجمهور المحلي. نُقدّم أطباقاً لبنانية أصيلة، ونحافظ على أساليب الطهي التقليدية وعلى مهارتنا وخبرتنا، ونُركّز على تقديم ذلك الدفء المشهور الذي يُميّز أسلوبنا في تقديم الطعام. يجب أن يُشعرك كلّ فرع من فروع “أم شريف” بالدخول إلى قطعة من بيروت، أينما كانت في العالم.
تدرّبتِ في مطابخ حائزة على نجوم ميشلان ـ ما هو أكثر درس غير متوقّع استفدتِ منه في “أم شريف”؟
ياسمينا حايك: من أهمّ الدروس التي تعلّمتها أنّ البساطة، عند تطبيقها بإتقان، يمكن أن تكون بنفس قوّة التعقيد. في المطابخ الحائزة على نجوم ميشلان، لكلّ عنصر في الطبق غرض. أستعيد هذه الفلسفة في مطبخ “أم شريف” كلّ يوم، فأُحسّن أطباقاً تروي قصة دون أي تشتيتات غير ضرورية.
إن كان بإمكانكِ تقديم طبق لبناني واحد غير معروف على نطاق واسع إلى مشهد المطاعم الراقية العالمي، فماذا سيكون ولماذا؟
ياسمينا حايك: المغربية. إنّها معكرونة سميد لبنانية على شكل لؤلؤة، مع إضافات مختلفة. إنّها طبق يتميّز بالعمق، والملمس، والنكهة الغنية والمبهجة، وأعتقد أنّه يُضفي لمسة رائعة على المطاعم الراقية. إنّه الطعام اللبناني اللذيذ المبهج في أفضل حالاته، والذي نعمل به في جميع منافذنا، وأودّ أن أرى الاحتفال به أكثر.
ما هو الطبق الذي يُثير دائماً نقاشاً ممتعاً بينكما في المطبخ؟
الشيف ميراي: الكبّة النيّة! لطالما آمنتُ بضرورة الحفاظ عليها تقليدية، كما علّمتني والدتي ـ لحم نيء متبّل بإتقان، معجون بتوازن مثالي من النكهات.
ياسمينا حايك: ولطالما أحببتُ اختبار نكهات جديدة فيها، والتفكير في طرق لتحديث التجربة مع الحفاظ على جذورها.
الشيف ميراي: لكن عليّ أن أقول، إنّني سعيدةٌ بخوضنا هذا النقاش لأنّه أدّى إلى إطلاق “ياسمينا ساندويتش” كبة نيّة بالخبز المصنوع من العجين المخمّر في مطعم “أم شريف ديلي”، وقد أصبح من أكثر منتجاتنا مبيعاً!

إنّ إدارة شركة عائلية تأتي بتحدّيات فريدة ـ كيف توازنان بين التقاليد والابتكار دون أن يتدخّل أحدكما في شؤون الآخر؟
الشيف ميراي: الأمر كلّه يتعلّق بالثقة. أثق برؤية ياسمينا، وهي تحترم الأساس الذي بنيناه، إلى جانب بقية أفراد عائلتنا. لدينا لحظات اختلاف في وجهات النظر، بطبيعة الحال، لكنّنا نعود دائماً إلى هدفنا المشترك: الاحتفال بالمطبخ اللبناني وتسليط الضوء عليه بأفضل طريقة ممكنة.
ياسمينا حايك: لقد أرست والدتي أساساً متيناً يسمح لي بالتجربة دون إغفال هويتنا. قد نتدافع (بعضنا البعض) أحياناً، ولكن في نهاية المطاف، نتفق دائماً على ما يهمّ حقاً.
لو ابتكر مقهى “أم شريف كافيه” قائمة طعام خاصة مستوحاة من رحلة الأم وابنتها، ما هو الطبق الرئيسي ولماذا؟
ياسمينة حايك: لا أريد أن أبدو مكرّرة، ولكن أقول إنّه طبق المغربية ـ طبق يرمز إلى قدرتنا على إعادة ابتكار الأطباق اللبنانية الكلاسيكية مع الحفاظ على الحنين إلى الماضي. لقد اعتمدنا نسخاً مختلفة منه في جميع فروعنا، من الأطباق التقليدية إلى أطباق الكركند، والمأكولات البحرية، والفطر، والزعفران، وحتى مغربية الكافيار. كلّ نسخة تمثّل توازناً بين تكريم التقاليد والارتقاء بها، تماماً مثل رحلتنا معاً. إنّه طبق يعبّر عن الراحة والأناقة وعن إمكانيات تراث المطبخ اللبناني.