تجارب للنخبة في بيدمونتي الإيطالية لاصطياد الكمأة البيضاء وتذوقها

تقع منطقة بيدمونتي شمال غرب إيطاليا، وتشتهر بمدنها الساحرة مثل ألبا وتورينو وبرا، حيث تلتقي السهول الواسعة بالتلال المتموجة المغطاة بكروم العنب وغابات البلوط والبندق. لكن ما يجعل بيدمونتي وجهة مميزة للنخبة حول العالم ليس جمال طبيعتها فقط، بل كنزها الأرضي النادر: الكمأة البيضاء.
تُعرف هذه الكمأة علميًا باسم Tuber magnatum Pico، وهي أغلى أنواع الكمأة عالميًا. تنمو تحت جذور الأشجار في تربة طينية كلسية رطبة، وتتميز برائحتها النفّاذة ومذاقها الترابي الفريد الذي لا يشبه أي نكهة أخرى في عالم الطعام الفاخر. من أجلها، يسافر الذوّاقة والطهاة من مختلف القارات إلى بيدمونتي كل خريف، ليعيشوا تجربة صيدها وتذوقها في مكانها الأصلي.

الموسم المثالي: من سبتمبر حتى ديسمبر

يمتد موسم الكمأة البيضاء في بيدمونتي من سبتمبر حتى يناير، لكن ذروته الحقيقية تكون عادة بين نوفمبر وديسمبر عندما تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض ويغمر الضباب البارد التلال صباحًا. هذا التغير المناخي يحفّز نمو الكمأة ويعزز تركيز زيوتها العطرية.
خلال هذه الفترة، تحتفل ألبا بمهرجانها الشهير للكمأة البيضاء (Fiera Internazionale del Tartufo Bianco d’Alba) الذي يستمر قرابة شهرين ويجتذب آلاف الزوار. كما تُقام مزادات سنوية تعرض قطعًا نادرة بأسعار تصل إلى مئات الآلاف من اليوروهات أحيانًا، ويذهب ريعها عادة للأعمال الخيرية.

رحلة الصيد: في الغابات مع فرق الكلاب المدربة

لا تكتمل تجربة الكمأة البيضاء دون رحلة الصيد التقليدية. تنطلق هذه الرحلات فجراً أو عند الغسق، برفقة الصيادين المحليين المعروفين باسم Trifolao وكلابهم المدربة خصيصًا لاكتشاف رائحة الكمأة تحت الأرض دون إتلافها.
الكلاب المستخدمة غالبًا تكون من سلالة Lagotto Romagnolo ذات حاسة الشم القوية، وتبدأ تدريباتها منذ صغرها على شم رائحة الكمأة البيضاء تحديدًا. في الغابة، يسير الصيادون بصمت تام، مراقبين تحركات كلابهم التي تشم الأرض بتركيز، وحين تكتشف الرائحة تبدأ بالحفر بخفة حتى ينبّهوا الصياد ليخرجها بيديه أو بعصا حديدية دقيقة دون جرح الكمأة أو جذور الأشجار.
هذه التجربة لا تمنح الزائرين فقط إحساس المغامرة والمتعة، بل تكشف لهم أيضًا عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة والتراث الغذائي الإيطالي الذي حافظ على هذه الطقوس مئات السنين.

تذوق الكمأة: من الحقل إلى المائدة

بعد رحلة الصيد المليئة بالترقب في غابات بيدمونتي، يحين وقت التجربة الأجمل: تذوق الكمأة البيضاء الطازجة.
يحرص الطهاة المحليون على تقديمها مبشورة فوق أطباق بسيطة تبرز نكهتها الترابية المميزة دون أن تخفيها أي توابل أو مكونات قوية. من أشهر هذه الأطباق في المنطقة: تاجوليني طازج بالزبدة وشرائح الكمأة الرقيقة، أو البيض المخفوق والعجة الغنية ببرش الكمأة، وكذلك الريزوتو الأبيض الكريمي الذي يحتضن عبيرها بروح إيطالية صافية.
عادةً ما تُحفظ الكمأة بعد حصادها داخل أوراق ماصة وعلب زجاجية محكمة للحفاظ على رائحتها النفّاذة لبضعة أيام فقط، ما يجعل تناولها طازجة بعد الصيد مباشرةً تجربة لا تُنسى تجمع بين الترف والحواس في لحظة واحدة.

انطباعات الزوّار عن تجربة صيد الكمأة

تترك تجربة صيد الكمأة البيضاء في بيدمونتي أثرًا عميقًا لدى الزوار، إذ يصفها الكثيرون بأنها مزيج بين المغامرة الهادئة والتأمل في الطبيعة، مع إحساسٍ نادر بالخصوصية والترف. البعض يعتبر لحظة عثور الكلب المدرب على الكمأة الثمينة تحت الأرض من أكثر اللحظات إثارة ودهشة، بينما يراها آخرون فرصة لاكتشاف أسرار الطبيعة الإيطالية ومعاني التقاليد التي تُنقل من جيل إلى جيل.
غالبًا ما يعبّر المشاركون عن إعجابهم بكرم الصيادين وبساطة الحياة الريفية، مؤكدين أن هذه التجربة الفريدة تمنحهم شعورًا بالتجدد والامتنان لعجائب الأرض.

ختاماً.. تُعد تجربة صيد الكمأة البيضاء في بيدمونتي رحلة متكاملة للباحثين عن الفخامة الهادئة والنكهة النادرة. فهي تتيح لك الغوص في قلب التراث الإيطالي والطبيعة الساحرة، مع تذوق منتج لا يضاهيه شيء في عالم الطهو الفاخر.
إذا كنت تطمح لعيش تجربة حقيقية خارج إطار السياحة التقليدية، فإن هذه المغامرة ستمنحك حتمًا ذكرى لا تمحى من ذاكرة حواسك وذائقتك الرفيعة.

شارك على:
رحلة فاخرة في عمق غابات الأمازون: تذوق تراث الشعوب الأصلية بروح الرفاهية

تجربة فاخرة تجمع أصالة الشعوب وسحر الطبيعة في الأمازون

متابعة القراءة
كيف تنظفين أدوات المطبخ الخشبية لتبدو كأنها جديدة؟

العناية اليومية هي سر بقاء أدوات المطبخ الخشبية متألقة وطويلة…

متابعة القراءة