ما هو اختلاف تقديم الكيمتشي في كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية؟

يُشكّل الكيمتشي جزءًا أساسيًا من المائدة الكورية منذ قرون، إذ يرمز إلى الجذور العميقة للهوية الثقافية في شبه الجزيرة الكورية. لا تقتصر قيمته على كونه طعامًا تقليديًا غنيًّا بالنكهات، بل يحمل أيضًا معاني الانتماء والعادات المتوارثة جيلًا بعد جيل. ورغم أن الكيمتشي يبدو واحدًا في الاسم، إلا أنّ طريقة تحضيره وتقديمه تختلف بشكل واضح بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، نتيجة الانقسام السياسي والاقتصادي والثقافي الذي ميّز البلدين منذ منتصف القرن العشرين.

في هذا المقال، تُكشف أبرز الفوارق في طريقة إعداد وتقديم الكيمتشي بين الشمال والجنوب، من حيث المكوّنات، الطقوس، والرموز الاجتماعية التي ترافق هذه الأكلة الشهيرة.

١- المذاق بين الجنوب والشمال

يتّسم الكيمتشي في كوريا الجنوبية بنكهات حادّة وغنية بالتوابل الحمراء، إذ تُستخدم كميات كبيرة من الفلفل الأحمر المطحون والثوم والزنجبيل. يحرص الكوريون الجنوبيون على إبراز الطعم القوي الذي يعكس حبّهم للنكهات الجريئة والتجارب المتنوّعة في المطبخ. في المقابل، يقدَّم الكيمتشي في كوريا الشمالية بطابع أبسط وأقلّ حِدّة في المذاق. تُقلَّل كميات الفلفل الحار، ويُعتمد أكثر على الملوحة الناتجة من عملية التخليل الطبيعية. هذا الفارق في المذاق يعكس اختلاف أسلوب الحياة بين البلدين؛ ففي الجنوب، تُعبّر الأطعمة الغنية بالنكهات عن رفاهية نسبية وتنوّع في المواد المتاحة، بينما في الشمال، يفرض الواقع الاقتصادي استخدام مكوّنات محدودة وبسيطة.

٢- المكوّنات والموسم

يُحضَّر الكيمتشي الجنوبي عادةً باستخدام الملفوف الصيني، والفجل، والبصل الأخضر، والفلفل الأحمر، والصلصة البحرية أو الروبيان المملّح، ما يمنحه طعمًا مميزًا وعُمقًا في النكهة. أما في كوريا الشمالية، فتختلف المكوّنات تبعًا للمواسم وتوفّر المنتجات الزراعية، إذ يُستخدم أحيانًا الخيار أو أوراق الخردل أو الفجل فقط. كما تعتمد مناطق الشمال الباردة على الكيمتشي الذي يُحفظ لفترات طويلة في الفخار أو في الأرض للحفاظ على صلاحيته خلال الشتاء الطويل، ما يمنحه نكهة أخفّ ولونًا أفتح من نظيره الجنوبي.


٣- الطقوس والعادات الاجتماعية

في كوريا الجنوبية، تتحوّل صناعة الكيمتشي إلى حدث اجتماعي كبير يُعرف باسم “كيمجانغ” (Kimjang)، حيث تجتمع العائلات والجيران لتحضير كميات كبيرة تكفي فصل الشتاء. تُعتبر هذه المناسبة رمزًا للتعاون والوحدة بين أفراد المجتمع. في المقابل، تحتفظ كوريا الشمالية بالعادات نفسها ولكن ضمن نطاق أكثر تقليدية، إذ تُنظَّم العملية داخل العائلات الصغيرة دون طابع احتفالي واسع. يركّز الكيمتشي في الشمال على الوظيفة الغذائية أكثر من الجانب الرمزي أو الاجتماعي، بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي تحدّ من مظاهر الاحتفال.

٤- الرمزية الثقافية والسياسية

يُشكّل الكيمتشي في كوريا الجنوبية رمزًا وطنيًا يُقدَّم بفخر في المناسبات الرسمية والمطاعم الفاخرة، ويُعدّ واجهة للمطبخ الكوري أمام العالم. أما في كوريا الشمالية، فيحمل الكيمتشي معنى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي، إذ يُنظر إليه كرمز للصمود في وجه الصعوبات. حتى طريقة تقديمه تُعبّر عن روح الانضباط والبساطة التي تميّز الثقافة الشمالية. هذا التباين في الرمزية يعكس بوضوح كيف يمكن لطبق واحد أن يجسّد رؤيتين مختلفتين للحياة والمجتمع.

يبقى الكيمتشي رغم اختلافاته جسرًا ثقافيًا يربط بين شطري شبه الجزيرة الكورية، ويذكّر بجذور واحدة تشترك فيها الذاكرة والمذاق. وبين الفلفل الحار الجنوبي والملح الشمالي، تستمر هذه الأكلة في نقل قصة هوية كاملة، تتبدّل ملامحها ولكن لا تفقد جوهرها. فالكيمتشي ليس مجرد طعام، بل لغة تعبّر عن تاريخ، وثقافة، وشعب لا يزال يحتفظ بروح واحدة رغم الانقسام.

شارك على: