بعد مرور قرون على ظهورها، استطاعت وصفة الفلافل أن تتجاوز حدود البلد الواحد، وتتحوّل إلى طبق يعبّر عن ثقافة شعوب مختلفة، رغم أنها تحمل الاسم ذاته في معظم الدول. في البداية، اعتمدت هذه الوجبة البسيطة على مكوّنات نباتيّة محض، لتلائم الطبقات الفقيرة، ثم انتقلت من شارع إلى شارع، ومن مدينة إلى أخرى، حتى أصبحت على كل طاولة تُقدَّم بأسلوب مختلف.
في هذا المقال، نشرح لكِ كيف غزت الفلافل مطابخ العالم العربي والغربي، ولماذا أصرّ كل بلد على إعطائها طابعه الخاص، وكيف يمكن لهذا الطبق أن يكشف عن تنوّع الذوق، والهويّة، والانتماء الشعبي.
١ – أصل الفلافل وولادتها في المطبخ المصري
ظهرت الفلافل أوّلًا في مصر، حيث سُمّيت “الطعمية”، وكانت تُحضَّر من الفول المطحون مع الثوم، والكزبرة، والكمّون والبقدونس. انتشرت في أحياء القاهرة الشعبيّة، وأصبحت من أساسيّات وجبة الفطور. اعتمد المصريون في تحضيرها على الزيت الغزير، وقدّموها ساخنة مع المخلّلات والخبز البلدي، لتعكس بساطة المائدة الشعبية.
٢ – بلاد الشام
عندما وصلت الفلافل إلى الشام، تبدّلت المكوّنات، إذ حلّ الحمص مكان الفول، ما أعطاها ملمسًا هشًّا وطعمًا أقلّ كثافة. أُضيفت الأعشاب العطرية مثل النعناع، وظهرت صلصة الطحينة كجزء أساسي من التقديم. تطوّرت طريقة التحضير، وأصبح لكل مدينة لمستها الخاصّة من حيث الشكل، والحجم، وحتّى درجة القرمشة.

٣ – فلسطين
في فلسطين، اكتسبت الفلافل بُعدًا رمزيًا، إذ أصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية والمقاومة اليومية. كانت تُباع في الأزقّة والأسواق القديمة، وتُقدَّم كمأكولات سريعة تعكس التمسّك بالهويّة الوطنيّة. رغم التحديات، بقي طبق الفلافل حاضرًا بقوّة، يزيّن الطاولات في المنازل والمطاعم، ويُحضَّر بمحبّة في المناسبات.
٤ – الخليج
دخلت وصفة الفلافل إلى مطابخ الخليج العربي، حيث أُضيفَت إليها النكهات المحلية مثل الكركم، والهال، والزعفران. كما ظهرت أشكال جديدة منها، أبرزها “برجر الفلافل” و”لفائف الفلافل” التي تُقدَّم مع صلصات حارّة أو باردة. هذه اللمسات عكست الدمج بين الطابع العصري والأصل الشعبي.
٥ – من الشوارع العربيّة إلى مطاعم أوروبا
في العقود الأخيرة، عبرت الفلافل إلى أوروبا وأميركا الشمالية، حيث أصبحت خيارًا مفضّلًا في المطاعم النباتية ومحال الأطعمة الشرق أوسطية. بفضل مكوّناتها الخالية من المنتجات الحيوانية، لاقت ترحيبًا واسعًا، وتمّ تبنّيها في قوائم الأطعمة الصحية. احتفظت بشعبيتها في الغرب، حتى باتت تُباع في شاحنات الطعام وأكشاك المهرجانات.

أخيرًا، نجحت الفلافل في تمثيل ثقافة غذائية مترسّخة تتجاوز الحدود، حيث احتضنتها المجتمعات، وأضافت إليها بصمتها الخاصة. ومع ذلك، ظلّت تحافظ على جوهرها النباتي، وطابعها الشعبي، كوجبة توحّد الشعوب رغم اختلاف البيئات والعادات.