حين تتحول المونة إلى ذاكرة.. الكبة النية اللبنانية تعيدكِ إلى دفء الزمن القديم

تحمل الكبة النية اللبنانية في طياتها ما هو أكثر من مذاق لاذع أو نكهة ترابية غنية بالحبق والبرغل. تسبق الذوق حكايةٌ من حكايات الجدّات، حين كانت أيادي النساء تطرّي اللحم بالسكاكين الحادّة، وتخلط البرغل بعينين مغرورقتين بالذكريات. تعودين فجأة، عند أول لقمة، إلى بيت واسع النوافذ، وأحاديث تنساب على مائدة خشبية، فيما تعبق روائح البصل والنعنع اليابس في الجوّ.

تعيدكِ هذه الوجبة البسيطة إلى قلب الطفولة، إلى لحظة سُرّبت فيها المونة من المطبخ إلى القلب، حيث تختبئ طمأنينة لم يعُد يُعثر عليها في السوبرماركت.

١- تُحضّر بنَفَسٍ من الزمن القديم

تبدأ الجدّات بتحضير الكبة النية اللبنانية من دون وصفات مكتوبة. تسبق اليد اللسان، ويتقن الإحساس ما يعجز عن شرحه المكيال. يُنقَع البرغل، ويُفرَم اللحم الطازج، ويُدعَك المزيج حتى يتجانس الطراوة مع الطعمة.

تُضاف التوابل يدويًّا، وتُفرك أوراق النعناع الجاف بين الكفّين. هنا لا مكان للخلط الكهربائي أو الآلات؛ فكلّ خطوة ترتكز على مهارة متوارثة، لا تتجزأ ولا تُعلَّم بسهولة.

٢- تجمع ولا تفرّق

تجذب الكبة النية اللبنانية الأهل والجيران والأصدقاء. تُقدَّم غالبًا في الصواني الكبيرة، وتُمدّ على أوراق الخس الطازجة أو تُغرف مباشرةً من طبق الطين.

تبدأ القلوب بالتقارب قبل أن تُمدّ اليد إلى اللقمة. يحتدّ النقاش حول الفلفل أو الزيت، لكن يذوب الخلاف أمام الطعم الذي يُرضي الجميع.

٣- تُطهى بالمحبة لا بالنار

رغم أنّها نيئة، تُطهى الكبة النية اللبنانية بما هو أعمق من النار: بالحبّ والصبر والعناية. تُعصر المكونات بدقّة، وتُذوّب الأسرار داخل العجينة الناعمة. يُضاف زيت الزيتون ليعطي اللمعان، ويُرشّ القليل من الفلفل ليوقظ الذاكرة.

تغيب النكهات الصناعية، وتُستبعد المنكّهات الجاهزة. لا يُضاف الكحول أبدًا، ولا يُخزَّن الطبق لفترات طويلة.

٤- تعبّر عن هوية وثقافة

لا تقتصر الكبة النية اللبنانية على الطعم، بل تتعدّاه إلى كونها مشهدًا ثقافيًّا كاملًا. تَحكي عن الأرض، والمواسم، والحصاد، وعن النساء اللواتي رَسَمن بملاعقهنّ صورةً لوطن يُؤكَل ويُعاش.

كل لقمة تحفر في الذاكرة وتُوقظ فيكِ حبًّا للحياة البسيطة، حيث تَسبق البركة الكلفة، وتَسبق النكهة الشهرة.

حين تَتناولين الكبة النية اللبنانية لا تَأكلين فقط طبقًا بل تَستعيدين زمنًا. يعود الحنين من أوّل رشّة زيت، وتَستفيق الذكرى من تحت قشرة البرغل المعجون بالمحبة.

شارك على:
4 مطاعم بتصميم تراثي في الكويت تقدّم أطباقًا بتحضيرٍ تقليدي رائع

تعكس المطاعم بتصميم تراثي روح الكويت الأصيلة، وتقدّم تجارب ذوقية…

متابعة القراءة