يتصدّر طبق ورق العنب موائدنا الشرقية ويفرض نكهته على كلّ جلسة عائلية أو عزومة مميزة. تنوّعت الأسماء، لكن بقي الطعم واحدًا، والحنين له حاضرًا بقوة. تسمعين من بعض النساء في الشام اسم “اليبرق”، بينما تنطقه سيدات العراق “دولما”، وفي مصر يُقال “محشي ورق عنب”، لكن الوصفة، رغم اختلاف تسمياتها، تحتفظ بجوهرها العائلي الدافئ.
ينبع سحر هذا الطبق من تاريخه، ونكهاته الغنية، وأوقات التحضير التي تجمع الأمهات والبنات حول المطبخ. تدخلين هذا العالم الممتع، حيث يصبح لفّ ورق العنب طقسًا من طقوس المحبة، لا مجرّد مهمة يومية.
١- اليبرق الشامي
يعتمد المطبخ الشامي على وصفة تقليدية لطبق ورق العنب تتميّز باستخدام الليمون الحامض ودبس الرمان لتعزيز الطعم. يُحشى الورق بخليط من الأرز، والبندورة، والبصل، والبقدونس، وفي بعض الأحيان يُضاف اللحم المفروم.
تُطهى الأوراق على نارٍ هادئة بعد ترتيبها بعناية داخل الطنجرة، ويُفضّل أهل الشام أن تكون اللفّات صغيرة وضيقة، ما يعكس دقّة التحضير وأصالته.
٢- الدولما العراقية
لا تقتصر الدولما العراقية على ورق العنب فقط، بل تُحضَّر باستخدام أنواع متعددة من الخضار مثل الباذنجان، والقرع، والطماطم. يُضاف اللحم بشكل أساسي إلى الحشوة، مع نكهات غنية من البهارات العراقية، والسماق أحيانًا، ممّا يمنح الطبق طابعًا ثقافيًا مميزًا.
يتميّز هذا النوع باستخدام كمية كبيرة من الحشو، مع لفّ الأوراق بشكل أكثر امتلاء. ما يعكس طبيعة الكرم والانفتاح في الثقافة العراقية.

٣- اليبرق اللبناني
يقدّم المطبخ اللبناني وصفة خاصة لطبق ورق العنب، وتوازن بين الطعم الحامض والزيت. تختلف الحشوة باختلاف الفصول، إذ تُحضّر أحيانًا نباتية للصيام، وأحيانًا تُغنى باللحم في الولائم.
يُضاف النعناع الناشف، والبندورة المفرومة، والبصل الناعم إلى الأرز، ثم تُلف الأوراق وتُرتّب في الطنجرة فوق شرائح البطاطا أو الكوسا.
تُطهى على نار هادئة مع مزيج من عصير الحامض والزيت، وتُقدّم دافئة أو باردة بحسب المناسبة. يعكس هذا التنوع روح المائدة اللبنانية وارتباطها بالموسم والمناسبة.
٤- المحشي المصري
يتميّز طبق ورق العنب في المطبخ المصري بدسامته وغناه بالنكهات. تُضاف الخضار المطهية كالطماطم والبطاطا إلى المرق، وتُنكّه الحشوة بالكمون والشبت والبقدونس.
تُلفّ الأوراق بحجم متوسط وتُقدّم مع صلصة حمراء، لتُشكّل وجبة أساسية في العزائم والمناسبات. تعكس هذه الطريقة الطابع الشعبي للمائدة المصرية، والحرص على المذاق الغنيّ والمُشبع.

من وصفة إلى طقس اجتماعي
رغم تنوع الأسماء والأساليب، يبقى تحضير ورق العنب فعلًا مشتركًا بين النساء في كل بيتٍ شرقي. تتجمّع العائلة حول المطبخ، وتتحول العملية إلى جلسة دافئة يتخلّلها الحديث والضحك.
ترتبط هذه العادة بذكريات الطفولة، وتُورّث من جيل إلى جيل، مما يجعل من هذا الطبق وسيلة حيّة للحفاظ على الهوية والطابع العائلي.
يثبت طبق ورق العنب أنّ المذاق الواحد يمكن أن يحمل تنوّعًا لامتناهيًا في الشكل والمحتوى. تتبدّل التوابل، وتختلف طرق الطهي، لكن الحنين لا يتغير.
سواء سُمّي “يبرق”، “دولما”، أو “محشي”، يبقى هذا الطبق مرآة صادقة لروح المنطقة وثقافتها.