لم تكن المنقوشة اللبنانية يومًا مجرّد فطور عابر. هذا الرغيف الساخن، المخبوز على الصاج والمزيّن بالزعتر أو الجبنة، حفر اسمه في ذاكرة الأجيال. واليوم، تعود المنقوشة اللبنانية لتفرض نفسها كطبق عصري في قوائم المطاعم الراقية، من دون أن تتخلى عن هويتها الأصيلة.
في هذا المقال، نرافقكِ لاكتشاف التحوّل الذي خضعت له المنقوشة، وكيف حافظت على نكهة التراث بينما لبست حلّة الحداثة.
١ – من فرن الحيّ إلى مطابخ العالم
بدأت المنقوشة اللبنانية رحلتها من أفران الأحياء، حيث كانت الأمهات يخبزنها صباحًا ويقدمنها ساخنة مع كوب شاي أو لبن. كانت تمثّل فطورًا سريعًا، ولذيذًا، ومشبعًا. اليوم، تجدين المنقوشة اللبنانية في كبرى المدن العالمية، يقدّمها الطهاة بطريقة مبتكرة، مع إضافات مثل الأفوكادو، أو جبنة الموزاريلا، أو حتى صلصة البيستو، من دون أن يُمحى طعم الزعتر الذي يربطها بجذورها.
٢ – طريقة إعداد المنقوشة خطوة بخطوة
لتحضير المنقوشة اللبنانية في المنزل، تحتاجين إلى مكوّنات بسيطة ومتوفّرة في مطبخكِ، تبدأين بخلط كوبين من الطحين مع ملعقة صغيرة من السكر، ونصف ملعقة صغيرة من الملح، وملعقة كبيرة من الخميرة، وثلاث ملاعق كبيرة من الزيت النباتي، ثم تضيفين الماء الدافئ تدريجيًا حتى تتكوّن عجينة ناعمة ومتجانسة. بعد ذلك، تتركين العجينة لتختمر في مكان دافئ لمدة ساعة تقريبًا، ثم تفردينها على شكل أقراص رقيقة بحسب الحجم المرغوب. لتحضير الحشوة التقليدية، تُمزَج كمية متساوية من الزعتر البلدي مع زيت الزيتون حتى يتكوّن مزيج كثيف، ثم تفردين هذا المزيج على وجه العجين بالتساوي. وأخيرًا، تخبزين الأقراص في فرن ساخن مسبقًا أو على صاج تقليدي حتى تكتسب لونًا ذهبيًا وتصبح مقرمشة من الأطراف. بهذه الطريقة، تحصلين على منقوشة لبنانية تعبق برائحة الزعتر وتعيد إليكِ دفء المطبخ اللبناني وأصالته في كلّ لقمة.

٣ – تنوّع النكهات وتطوّر الأذواق
رغم أنّ الزعتر يبقى الملك في عالم المنقوشة اللبنانية، إلا أنّ الأنواع الأخرى فرضت نفسها على الساحة.
تجدين منقوشة الجبنة البيضاء أو الكشك، ومنقوشة اللحمة مع دبس الرمان، ومنقوشة النوتيلا للأطفال، وحتى منقوشة نباتية بصلصة الطماطم والأعشاب.
كلّ نوع يعكس ذوقًا مختلفًا، ويمنحكِ حريّة اختيار ما يناسب ذوقكِ أو نظامكِ الغذائي. وهذا ما يجعل المنقوشة اللبنانية طبقًا حيًا، يتكيّف مع الأجيال من دون أن يفقد هويته.
٤ – المنقوشة تجمع الأجيال وتوحد الذوق
لم تستطع الأطعمة السريعة أن تنتزع مكان المنقوشة اللبنانية من قلب المائدة. في المدارس، يفضّل الأطفال تناولها في استراحتهم، وفي العمل تختارينها أنتِ لتناول وجبة خفيفة، وحتى في السفر، تبحثين عن منقوشة تُشبع حنينكِ.
هذا الرابط بين الماضي والحاضر، بين الأجداد والأحفاد، يمنح المنقوشة خصوصيتها، ويؤكّد أنّها أكثر من طعام، بل هي رمز اجتماعي وثقافي.
أخيرًا، المنقوشة اللبنانية ليست فقط وصفة، بل مرآة لهوية مجتمع. انتقلت من حيّ شعبي إلى مطبخ عالمي، ورافقتكِ من طفولتكِ إلى نضوجكِ، ولم تفقد يومًا طابعها المحلّي الدافئ.
وبينما تتابعين تطوّر هذا الطبق، تكتشفين كيف تُصان الذاكرة الجماعية من خلال طعام بسيط، ولذيذ، وصادق.
هكذا، تبقى المنقوشة اللبنانية علامة على الأصالة المتجدّدة، تعيش في قلبكِ وذاكرتكِ، وتذكّركِ بأن النكهة حين تحمل قصّة، تبقى خالدة.