تربّعت الكسكس المغربي منذ قرون على عرش المائدة المغربية، وتحوّل من طقس أسبوعي في بيوت الجدّات إلى نجم عالمي في مطابخ أشهر الطهاة. لم يكن مجرد طبق بل كان لحظة تجمّع، ورمزًا للكرم، ودليلًا على ترابط العائلة.
توسّعت شهرة الكسكس المغربي من الأحياء الشعبية في مراكش وفاس إلى قوائم الطعام في باريس، ونيويورك، وحتى طوكيو. وما زالت جدّتكِ تصنعه بحب، بينما يعيد الطهاة العالميون ابتكاره بنكهاتهم الخاصة، ولكن من دون أن يتخلّى عن جذوره العريقة.
١- وُلد في رحم الأرض
انبثق طبق الكسكس المغربي من الحقول المغربية حيث طحن الناس القمح بأيديهم، وعجنوه بالماء والملح، ثم غربلوه حتى صار حبيبات ذهبية صغيرة. حضّرته النساء جماعيًا، فكان طبخًا ولقاءً، وعملًا وفنًّا.
حمل الكسكس هوية الأرض: بسيط، ومغذٍ، وقادر على إشباع الكثيرين بالقليل. تنوّعت الحشوات من خضار موسمية إلى لحم أو دجاج، ولكن بقي الكسكس هو الأصل الذي يربط الجميع.
٢- عبر الحدود من دون أن يتخلّى عن روحه
لم يكتفِ طبق الكسكس المغربي بالبقاء داخل حدود المغرب، بل سافر إلى الجزائر وتونس وليبيا، وتغلغل في أوروبا وأمريكا مع موجات الهجرة. وُضِع في قوائم الطعام الفاخرة، واحتُفِل به في مهرجانات الطبخ العالمية.
تغيّرت طرق التقديم، أضيفت التوابل الغريبة أحيانًا، ولكن لم تقدر أي لمسة عصرية أن تسرق منه نكهته الأصلية ولا قصّته المتجذّرة في التراث.

٣- ألهم الطهاة المعاصرين
استوحى الطهاة العصريون من الكسكس المغربي أساليب مبتكرة فحوّلوه إلى سلطة باردة، أو مزجوه مع فواكه البحر، أو قدّموه في أطباق فردية فاخرة. ولكن ظلّ الطبق الشعبي يفرض حضوره بثبات وأناقة.
تمكّن الكسكس من الجمع بين البساطة والترف، بين الأصيل والمبتكر، فبات مثالًا حيًّا على كيف يمكن للتراث أن يتطوّر دون أن يضيع.
٤- اختُزِن في ذاكرة النساء
حملت النساء ذاكرة الكسكس المغربي جيلًا بعد جيل. أنتِ ربما سمعتِ صوت بخار القدر في مطبخ والدتك، أو شممتِ رائحة التوابل التي تسبق يوم الجمعة. لم يكن الطبق مجرد طعام، بل درسًا في الحب والصبر والعطاء.
تحرص الأمهات على تعليمه لبناتهنّ، ليس فقط من أجل النكهة. بل ليبقى الرابط قويًا بين الماضي والحاضر.
انتشر الكسكس المغربي في كل مكان، ولكن قلبه ما زال ينبض في المطابخ العائلية. حيث يُطهى بحنان، ويُقدّم بدفء، ويؤكل على صوت الضحكات.
من الجدّات اللواتي صنعنه بأيديهنّ، إلى الطهاة العالميين الذين ابتكروه بطريقتهم، بقي الكسكس سفيرًا صادقًا لروح المغرب. وإذا طبختِه يومًا، فتذكّري أنّكِ لا تحضّرين وجبة فحسب، بل تحيين قصةً عمرها قرون.