تُدهشكِ الزلابية في كلّ مرّة بتنوّعها وغناها، فهي ليست مجرّد وصفة بل حكاية حلويات تتناقلها الأجيال. كلّ بلد يضع بصمته الخاصّة على هذا الطبق الذي يأسر القلوب. حين تحضَّر الزلابية، تُحيا في طيّاتها قصص الجدّات، وأصوات المطابخ القديمة، وعبق الأعياد. ما بين المغرب والمشرق، تَجذُبكِ تلك الأقراص المقلية بحلاوة طعمها وسحر تفاصيلها.
١- أصل الزلابية
انبثقت الزلابية من عمق التراث المغاربي. تشير المصادر التاريخيّة إلى أنّ أوّل ظهور لها كان في بلاد المغرب العربي، لا سيّما في تونس والجزائر. كان السكّان يعدّونها خلال المناسبات الدينيّة والأعياد كرمز للفرح والوفرة.
لاحقًا، عبرت الزلابية البحار والحدود، فبلغت المشرق العربي وتركيا والهند. مع كلّ انتقال، أضيفت إليها نكهات محليّة جديدة، فتشكّلت بذلك عشرات الوصفات التي تحمل جميعها اسم “زلابية”، لكن لكلّ منها طابعها المختلف.
٢- الزلابية في المغرب العربي
تميّزت الزلابية المغاربيّة بشكلها اللولبي الجميل. تُحضَّر العجينة بقوام مرن، وتُسكب في الزيت عبر قُمع دائري ليُشكَّل دوّامات ذهبية. بعد القلي، تُغمس في قطر معطَّر بماء الزهر أو الورد.
تشتهر مدينة “بوفاريك” الجزائريّة بإنتاج الزلابية ذات القوام الهشّ والمقرمش، والتي تُعدّ من أشهر أنواع الحلويات الرمضانيّة هناك.

٣- الزلابية في المشرق العربي
اختلفت الصورة في المشرق العربي. في بلاد الشام ومصر، غالبًا تُحضَّر الزلابية على شكل كرات صغيرة مقلية تُعرف أحيانًا بلقب “لقمة القاضي”. تغطَّى بالعسل أو القطر، وتُقدَّم ساخنة.
في العراق، يُطلق عليها اسم “الزلابية”، وتُشتهر باستخدام الهيل والقرفة في القطر، ما يمنحها نكهة خاصّة تميّزها عن باقي الأنواع.
٤- الزلابية في الهند وتركيا
لم تقف حدود الزلابية عند العالم العربي. في الهند، تُعرَف باسم “جليبي”، وتحضَّر بطريقة مشابهة للزلابية المغاربيّة، لكن باستخدام الزعفران والهيل لإضفاء لون وطعم مميّزين.
في تركيا، تُحضَّر “تولومبا” كنوع من الزلابية، لكن يُضاف إليها لمسة القرمشة عبر قليها مرّتين، وتُغطَّى بالقطر البارد.

حين تتأمّلين حكاية الزلابية، تكتشفين أنّها أكثر من مجرّد حلوى. هي مرآة للثقافات وتاريخ الشعوب. رغم اختلاف الأشكال والنكهات بين البلدان، تبقى الزلابية رمزًا مشتركًا للفرح والجَمعات العائليّة. في كلّ مرّة تُحضَّر فيها، تُعاد كتابة فصل جديد من هذه الحكاية العذبة.