تُعتبَر أطباق عيد الأضحى مرآة صادقة لهوية الشعوب وتقاليدها. فكما تتغيّر الأزياء والعادات باختلاف المناطق، تختلف أيضًا وصفات العيد وتفاصيلها، لتشكّل معًا مزيجًا غنيًّا من الموروث الثقافي والمذاق المحلي. ليست مجرد وجبات على المائدة، بل قصصٌ مطبوخة بعناية، تحكي تاريخ الأجداد وتُعبّر عن الروابط العائلية والاجتماعية التي تتجدّد كل عام.
يهدف هذا المقال إلى استكشاف تنوّع أطباق عيد الأضحى في مختلف البلدان العربية، وقراءة الرموز التي تحملها وصفات العيد التقليدية من خلال عدسة الهوية والعادات الاجتماعية.
١- المعمول
يُعتبَر المعمول أحد أبرز رموز أطباق عيد الأضحى في بلاد الشام والعراق، وهو كعك محشو بالتمر أو الجوز أو الفستق الحلبي. يتميّز بنقوشه اليدوية التي تُطبع على وجهه باستخدام قوالب خشبية تقليدية. هذا الطبق لا يقتصر على النكهة فقط، بل يحمل طابعًا احتفاليًّا يجمع العائلة على التحضير والتوزيع. وغالبًا ما يُحضّر المعمول قبل العيد بأيام، ويُخزّن في علب معدنية مزخرفة كجزء من طقوس الاستعداد للعيد.

٢- الفتّة
تحضر الفتّة بين أطباق عيد الأضحى في أكثر من بلد عربي، لكن تختلف مكوّناتها باختلاف الثقافة. في بلاد الشام، تُحضّر الفتّة من الحمص، والخبز المحمّص، واللبن الممزوج بالطحينة والثوم، وتُزيّن بالسمنة والمكسّرات. أما في مصر، فتأخذ الفتّة شكلًا مختلفًا، إذ تُصنع من طبقات من الخبز والأرز الأبيض، ويُسكب فوقها مرق اللحم وتُنكّه بصلصة الخل والثوم، وغالبًا ما تُقدَّم مع قطع من اللحم أو الكوارع. رغم تباين المكوّنات، يبقى حضور الفتّة في العيد رمزًا للكرم، وتجسيدًا لعادة متجذّرة يتكرّر بها الطقس السنوي بكل ما يحمله من دفء وروابط عائلية.
٣- أطباق الأرز
يُشكّل الأرز عنصرًا مشتركًا في أطباق العيد في الخليج العربي واليمن، مثل المجبوس، والبرياني، أو الزربيان. وتتميّز هذه الأطباق باستخدام البهارات القوية كالقرنفل والهيل والكركم والزعفران، ما يمنحها طابعًا عطريًّا يعبّر عن ثقافة المنطقة وتاريخها التجاري الغنيّ. يُقدَّم المجبوس غالبًا مع لحم الضأن أو الدجاج، ويُزيَّن بالمكسرات والزبيب، في حين ينعكس عبره التنوّع العائلي والمجتمعي في طريقة التقديم.

٤- الحلوى المغاربية
في دول المغرب العربي، تُحضَّر أصناف مميّزة مثل الشباكية، ,البغرير، وسلو. تُحضّر الشباكية من عجين مقلي مُعطَّر باليانسون وماء الزهر، ويُغمس مباشرة بالعسل والسمسم. يُصنع البغرير من دقيق السميد ويُشبه “البانكيك” لكن بفقاعات دقيقة تملأ وجهه. وتُقدَّم هذه الحلويات مع الشاي المغربي بالنعناع، لتُكمل طقسًا متأصّلًا في الاحتفال بالعيد.
٥- المائدة الخليجية
في دول الخليج، تُزيَّن موائد العيد بأطباق غنيّة مثل الهريس والثريد، إلى جانب أطباق الأرز. الهريس يُحضّر من حبّ القمح المهروس مع اللحم، ويُطبخ لساعات طويلة ليأخذ قوامًا ناعمًا غنيًّا. أمّا الثريد فهو خبز مغموس بمرق اللحم أو الدجاج مع الخضار، يُقدَّم في أوانٍ كبيرة كرمز على الوحدة العائلية والمشاركة.

٦- أطباق العيد في السودان والقرن الإفريقي
يتنوّع المطبخ السوداني في عيد الأضحى بأطباق مثل العصيدة والكسرة، وتُقدَّم مع الملاح، وهو نوع من الصلصة يُحضّر من البامية أو اللحم المجفّف والتوابل المحلية. وتُقدَّم هذه الأطباق في جلسات جماعية غالبًا تُقام في باحات البيوت أو الحدائق، في مشهد يُجسّد روح العيد.
تكشف أطباق عيد الأضحى الكثير عن المجتمعات التي تنتمي إليها، فهي تُظهر الخصوصية الثقافية والموروث الشعبي وتؤكّد على أنّ المطبخ ليس فقط وسيلة للإطعام، بل أداة للحفاظ على الهوية. مهما اختلفت النكهات والمكوّنات، تبقى وصفات العيد مساحة حيّة تتلاقى فيها الذاكرة مع الحاضر، وتُحكى فيها القصص من خلال ملعقة وسكين.