فنّ الضيافة في الثقافات المختلفة

فن الضيافة هو واحد من أكثر الممارسات الاجتماعية جمالاً وأهمّية على مر العصور، ويُعد لغة عالمية تعكس ثراء الثقافات وكرم الشعوب. تختلف تقاليد الضيافة حول العالم فيعبّر الناس عن الترحيب بزائريهم بطرق فريدة تُظهر الاحترام لهم والاحتفاء بهم. ومنذ قديم الزمان، عُرفت الثقافات المختلفة بأساليب الضيافة المتنوعة، التي تعكس تقاليدها وقيمها وأسلوب حياة المجتمعات.

في هذا المقال، سنخوض جولة بين القارات لنتعرف على أجمل وأغرب عادات الضيافة من الشرق إلى الغرب، ونستعرض ما يجعل كلَّ ثقافة فريدة في هذا المجال، ونكتشف كيف يتحوّل استقبال الضيف إلى طقس مقدّس وجمالي.

تختلف تقاليد الضيافة حول العالم بشكل مدهش، فبعضها يخطف الألباب بالكرم الفاخر، والبعض الآخر يُدهش بغرابته وتفاصيله الرمزية.

الضيافة العربية: الكرم الذي يُضرب به المثل

تُعتبر الضيافة جزءاً لا يتجزّأ من الثقافة العربية، ويُعد إكرام الضيف حتى وإن كان غريبًا واجبًا مقدسًا. حيث يتم استقبال الضيوف بكرم وَوِدّ، وغالباً ما يُقدم فنجان القهوة المُرَّة أو ربما كأس من الشاي كرمز للترحيب.

في مناطق كالبادية العربية تُعّد القهوة رمزاً للضيافة وحسن الاستقبال، وقد يُعتبر رفضُها إهانة!

 كما تُظهر العائلات العربية حماسها لتقديم أشهى الأطعمة والمأكولات التقليدية، وكذلك ولائم اللحوم، فيُذبح

خروف أو جمل لطهي الطعام الفاخر وتقديمه للضيف.

 في دول الخليج، تُخصَّص المجالس المفتوحة للرجال حيث يُستقبل الضيف بالتمر والقهوة، ويُمنح حق الراحة لثلاثة أيام قبل سؤاله عن حاجته! مما يجعل الضيف يشعر وكأنه في منزله.

الضيافة اليابانية: فن البساطة

تُعَد اليابان نموذجًا فريدًا في فن الضيافة، ويُطلق على مفهوم الضيافة الياباني “أوموتيناشي”، وهو فلسفة تقوم على التواضع والعطاء الخالص دون انتظار المقابل، وتُلاحَظ في تنسيق المكان، واختيار الألفاظ، وتتميز بالاهتمام بأدق التفاصيل، والاحترام العميق للضيوف حيث يتم استقبالهم في البيوت بطقوس ذات أسلوب بسيط يمزج بين الأناقة والرقي، ومن بعض تلك الطقوس:

  • حفل الشاي (تشادو): طقس يحمل بُعداً روحياً وجمالياً عميقاً، حيث يُقدّم الشاي الأخضر مع حلويات تقليدية في أجواء هادئة ومتواضعة. وكل حركة يقوم بها المضيف تحمل معنى رمزياً: تنظيف الأدوات أمام الضيوف يعبّر عن النقاء، والانحناء يدلّ على الاحترام، بينما الصمت يخلق انسجاماً روحياً. إنها طقوس صامتة، ولكنه تملؤها السكينة.
  • الانحناءة (أوجيغي): يُقاس عمق الانحناء حسب مكانة الضيف، وقد تصل إلى ٤٥ درجة للشكر!
  • الهدايا (أوتشياجي): يُعتبر رفض الهدية إحراجًا للمضيف، ويُفضَّل تقديمها بكلتا اليدين.

الضيافة الهندية: احتفاء بالألوان والنكهات

تُعتبر الهند من البلدان الغنية بتقاليد الضيافة الخاصة، حيث يُقال (Atithi Devo Bhava)، أي “الضيف هو الإله” وهي مقولة تعبّر عن تقديس الضيوف، ويتم استقبالهم دائمًا بماء لغسل اليدين أو لغسل القدمين عند الدخول وخاصة في جنوب البلاد، يتم تقديم مأكولات شهية رائعة، مثل “دال” و”برياني”، مع مجموعة متنوعة من النكهات والتوابل، وكذلك أطعمة نباتية غنية بالبهارات، وقد يملأ المضيف طبق الضيف مرارًا كعلامة حب، والرفض المتكرر قد يُفسر كجفاء! كما تُعتبر الزهور والديكورات الملونة جزءاً من تجربة الضيافة التي تضفي جمالاً ورونقاً.

الضيافة في المغرب: غسل الأيدي بماء الورد

في البيوت المغربية، الضيافة تُشبه احتفالًا فيُقدّم وعاء نحاسي بماء الورد والزهر لغسل الأيدي قبل الأكل وبعده كرمز للنقاء. ويُوضع طبق “الطاجين” المشترك في الوسط، ويُؤكل باليد اليمنى فقط كعلامة احترام. كما يُسكب الشاي بالنعناع من علوّ لخلق رغوة، ويرمز إلى دفء العلاقة.

الضيافة هي جسر بين الثقافات

مهما اختلفت التقاليد، يبقى فن الضيافة عبر الثقافات المختلفة انعكاساً للتواصل المعنوي وقيم العطاء والمشاركة، وجوهرًا إنسانيًا يسهم في تعزيز روابط الصداقة والتفاهم بين الشعوب. قد تختلف التفاصيل بين ثقافة وأخرى، ولكن في كل تلك الثقافات طقوس في الاستضافة تذكرنا بأننا، ورغم اختلافنا، يجمعنا الدفء الإنساني ذاته، والشيء المشترك بينها جميعًا هو الرغبة في جعل الضيف يشعر بأنه في منزله؛ وذلك بحد ذاته، أسمى صور الإنسانية. من خلال التعرف على هذه التقاليد، نستفيد من إثراء تجاربنا الحياتية ونقوم بعبور الحدود الثقافية، مما يجعل عالمنا مكانًا أفضل وأكثر ترابطًا.

شارك على:
التكنولوجيا وتعزيز رفاهية الحياة

يُعتبر العالم الذي نعيش فيه اليوم تجسيداً للابتكارات التكنولوجية التي…

متابعة القراءة
الشيف Nicolas Rouzaud يمزج الحرفة الفرنسية برُوح الشَّرق

حين تتحوّل النّكهات إلى لغة، تصبح الحلويات قصائداً يكتبها طاهٍ…

متابعة القراءة
حلوى البانا كوتا شهية ومنعشة!

حلوى الباناكوتا من الوصفات المنعشة التي يمكن التلذذ بتناولها في…

متابعة القراءة