في هذا اليوم المهيب، تتحول المنازل الإماراتية إلى واحات للكرم، حيث يرتفع مفهوم الضيافة إلى مستوى فني لا يقبل التنازل. إن الإعداد لاستقبال يكون بروح الوطن هو التزام عائلي يعكس جوهر عمق التاريخ الإماراتي في كل تفصيل. هذا الطقس ليس مجرد تقديم للمأكولات، بل هو سلسلة من لمسات ضيافة مدروسة بعناية، تبدأ من عتبة الدار وتنتهي بآخر فنجان قهوة، لتصبح تجربة الضيف شهادة على عظمة الإرث الثقافي للدولة.
العبور من الباب وفن الترحيب العريق
تبدأ لمسات الضيافة فور عبور الضيف عتبة الدار، حيث يتم استقباله بترحيب حار يعكس الأصول البدوية. ومن التقاليد الراقية والمميزة استخدام ماء الورد أو ماء الزهر المعطر، حيث يتم رشه على يدي الضيف أو على رأسه بعد الجلوس مباشرة، وهي لفتة تاريخية ترمز إلى التطهير والترحيب المفعم بالحفاوة. هذا الاستقبال المفعم بالاحترام هو أولى خطوات استقبال بروح الوطن، ويحدد نبرة اللقاء بأكملها.

عطر المبخرة والعود كدليل على مكانة الضيف
من أبرز التفاصيل الفريدة التي تعكس عمق التاريخ الإماراتي هو طقس البخور. يتم تقديم المبخرة الفضية أو الذهبية الفاخرة (المبخرة) إلى الضيوف بعد فترة وجيزة من وصولهم، محملة بكسر من العود النادر أو البخور المعطر بالزعفران. يتم تمرير المبخرة ببطء بين الضيوف لتعطير ملابسهم وأجسادهم، وهذا الفعل لا يقتصر على الرائحة الزكية، بل هو دليل على تقدير المضيف لمكانة ضيفه، ويُعد إيذاناً ببدء الجلسة الرسمية.

لغة الفنجان الصامتة في بروتوكول القهوة
يعتبر تقديم القهوة العربية (التي تُصنع من أفخر أنواع الهيل والزعفران) هو القانون الذهبي في لمسات الضيافة. يقوم الـ “مقهوي” (الشخص المسؤول عن صب القهوة) بتقديم الفنجان الأول لكبير الجالسين، وتتم المتابعة بانتظام وبترتيب محدد. السر هنا يكمن في قاعدة “صب القليل وكرر”، حيث يجب أن يكون الفنجان مملوءاً قليلاً فقط، وعندما يكتفي الضيف، يقوم بهز الفنجان مرتين أو ثلاث بلطف. هذا الهز الصامت هو إشارة راقية وتقليدية تنهي الطقس دون الحاجة لتبادل الكلمات، وهي تفصيلة تعكس عمق التاريخ الإماراتي في الإتيكيت.

ختام الاحتفاء بلمسة التمر الفاخرة
تُختتم الضيافة بتقديم أفخم أنواع التمر، والتي قد تُحشى باللوز أو تُقدم مع الهيل المطحون حديثاً. هذا التمر ليس مجرد حلوى، بل هو رمز لخيرات الأرض. وكتفصيلة أخيرة، يُفضل تقديم طبق صغير من الحلوى الشعبية (مثل الخبيصة أو اللقيمات) يليه الماء البارد في أكواب فاخرة. هذه اللمسات النهائية تضمن أن يشعر الضيف بأن كل خطوة في استقبال بروح الوطن كانت معدة ببراعة وفخامة.
في النهاية: إن لمسات الضيافة الإماراتية في اليوم الوطني الإماراتي ليست مصادفة، بل هي فن متوارث يجسد الكرم المطلق. كل فنجان قهوة، وكل نفحة عود، وكل تفصيلة في استقبال بروح الوطن هي فصل من فصول التاريخ، تؤكد أن عمق التاريخ الإماراتي لا يزال يُحكى بأسلوب راقٍ وفخم.


