ما بين القشطة والقطر تسافر حلاوة الجبن وتحمل بصمة كل مطبخ عربي

تنطلق حلاوة الجبن من قلب المطبخ الشامي لتشق طريقها نحو موائد العرب، حاملةً عبق التاريخ ورقّة الطعم وسحر التنوع. تختلط في هذا الطبق حلاوة السكر ونعومة الجبن وماء الزهر، لتولّد حلوى لا تشبه سواها. لا تكتفي هذه الحلاوة بأن تكون مجرّد صنف حلويات، بل تتحوّل إلى سفيرة لثقافات متعددة، تتجدّد في كل بلد وفق ذوقه ونكهته الخاصة.

في هذا المقال، نغوص في أصل حلاوة الجبن، ونستعرض اختلاف تحضيرها بين الدول العربية، ونكشف سرّ جاذبيتها التي لا تخبو مع الزمن.

١ – الجذور الشامية لحلاوة الجبن

انبثقت حلاوة الجبن من مدينة حمص السورية، حيث جمع أهلها بين الجبن الحلو الممدود وسميد القمح والماء المعطّر بماء الزهر، ولفّوها برقة حول القشطة الطازجة. عُرفت الحلاوة ببساطتها ومكوّناتها الطبيعية، وارتبطت بالمناسبات السعيدة كالأعراس والأعياد. تمكّنت الحلاوة من أن تكون جزءًا من التراث السوري، وسرعان ما تجاوزت حدود البلاد لتصل إلى مطابخ الجوار.

٢ – من حمص إلى كل بلد.. نكهة تتبدّل

في لبنان، أضاف الطهاة لمسة أكثر دسامة على حلاوة الجبن، من خلال استخدام قشطة أغنى وتقديمها باردة مع كرات البوظة أحيانًا. أما في فلسطين، فتميل بعض الأسر إلى استخدام جبن العكاوي المملّح والمغسول، مما يضيف نكهة أكثر حدّة وتوازنًا مع القطر. في الأردن، تعتاد العائلات على تزيينها بالفستق الحلبي والسكر البودرة، بينما في الخليج العربي، تُقدَّم أحيانًا ساخنة مع العسل بدل القطر.

كل مطبخ يضع بصمته الخاصة، لكن المبدأ واحد: جبن رخو، وقشطة، وقطر.

٣ – القشطة

لا تُذكر حلاوة الجبن من دون ذكر القشطة، فهي العنصر الذي يمنحها الغنى والمذاق المخملي. القشطة الطازجة المجلوبة من الحليب الكامل الدسم تضيف للحلاوة طراوة تجعلها تذوب في الفم دون مقاومة. في بعض البلدان، تُستخدم القشطة الجاهزة، ما يغيّر من ملمسها، لكن الأصل يفرض حضوره في كل لقمة.

٤ – القطر

يُحضَّر القطر بماء الزهر والليمون، ويُسكب بسخاء فوق لفائف حلاوة الجبن. هذه الخطوة الأخيرة تحوّل الطبق إلى لوحة متكاملة من النكهات، وتمنحه التوازن بين الحلاوة والرطوبة. تختلف كثافة القطر بين بلد وآخر، لكن وظيفته تبقى ثابتة: ربط المكوّنات ببعضها وتنشيط نكهاتها.

٥ – بين الحداثة والتقليد: هل تغيّرت الحلاوة؟

رغم أن بعض الطهاة أدخلوا إضافات حديثة إلى حلاوة الجبن، كاستخدام النكهات الصناعية أو الألوان، فإن الطعم التقليدي ما زال الأقرب إلى القلوب. الأصالة تكمن في البساطة، وفي احترام مقادير الأجداد الذين صنعوا من الجبن حلوى تفوح بالعطر والحنين.

تبقى حلاوة الجبن طبقًا استثنائيًّا، لا يشيخ مع الزمن ولا يفقد هويّته رغم التنوّع. تسافر الحلاوة من بلد إلى آخر، وتحمل معها تفاصيل صغيرة من كل مطبخ. ومع كل اختلاف، تحافظ على جوهرها الأصيل.

شارك على:
ضيافة بأقل مجهود: خطوات استقبال ضيوف غير متوقعين دون توتر

ضيافة مفاجئة بلا توتر… أسرار استقبال الضيوف بذكاء وهدوء

متابعة القراءة